السائر عضو متألق
عدد الرسائل : 83 العمر : 115 العمل/الترفيه : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ ي المزاج : مِنْ تَسْنِيمٍ البلد : : المدينة البلدية أو الولاية : الدنيا السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 07/12/2008
| موضوع: براهين المعاد في القرآن مبنيّة على أصول ثلاث السبت مايو 16, 2009 11:33 am | |
| أحدها
تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال:{ من يحي العظام وهي رميم.قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرة وهوبكل خلق عليم}يس 78-79. وقال:{ وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل.انّ ربك هو الخلاّق العليم.}الحجر 85-86. وقال:{قد علمنا ما تنقص الأرض منهم}ق 4.
والثاني
تقرير كمال قدرته كقوله:{ أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} يس81. وقوله:{ بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} القيامة 4. وقوله:{ ذلك بأن الله هو الحق وأنّه يحيي الموتى وأنّه على كل شئ قدير}الحج6.
ويجمع سبحانه بين الأمرين كما في قوله:{ أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم}يس81.
الثالث:
كمال حكمته كقوله:{ وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين}الدخان 38. وقوله:{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا}ص 27. وقوله:{ أيحسب الانسان أن يترك سدى} القيامة 36. وقوله:{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق}المؤمنون 115-116. وقوله:{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}الجاثية 21.
ولهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع, وأن كمال الرب تعالى وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه, وأنه منزّه عمّا يقوله منكروه كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنواقص.
ثم أخبر سبحانه أن المنكرين لذلك لمّا كذبوا بالحق اختلط عليهم أمرهم {فهم في أمر مريج} ق5. مختلط لا يحصلون منه على شئ.
ثم دعاهم الى النظر في العالم العلوي وبنائه وارتفاعه واستوائه وحسنه والتئامه, ثم الى العالم السفلي وهو الأرض, وكيف بسطها وهيّأها بالبسط لما يراد منها وثبّتها بالجبال وأودع فيها المنافع وأنبت فيها من كل صنف حسن من أصناف النبات على اختلاف أشكاله وألوانه ومقاديره ومنافعه وصفاته, وأن ذلك تبصرة اذا تأمّلها العبد المنيب وتبصّر بها تذكر ما دلت عليه مما أخبرت به الرسل من التوحيد والمعاد, فالناظر فيها يتبصّر أولا, ثم يتذكر ثانيا, وأن هذا لايحصل الا لعبد منيب الى الله بقلبه وجوارحه.
ثم دعاهم الى التفكّر في مادة أرزاقهم وأقواتهم وملابسهم ومركبهم وجناتهم وهو الماء الذي أنزله من السماء وبارك فيه, حتى أنبتت به جنّات مختلفة الثمار والفواكه, ما بين أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض, وبين ذلك مع اختلاف منافعها وتنوّع أجناسها, وأنبتت به الحبوب كلها على تنوعها واختلاف منافعها وصفاتها وأشكالها ومقاديرها. ثم أفرد النخل لما فيه من موضع العبرة والدلالة التي لا تخفى على المتأمل: { فأحيا به الأرض بعد موتها} البقر164, ثم قال:{ كذلك الخروج} ق 11. أي مثل هذا الاخراج من الأرض الفواكه والثمار والأقوات والحبوب: خروجكم من الأرض بعد ما غيّبتم فيها.
وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من المقاييس الواقعة في القرآن في كتابنا "المعالم" أنظر أعلام الموقعين عن رب العالمين. بيّنا ما فيها من الأسرار والعبر.
ثم انتقل سبحانه الى تقرير النبوّة بأحسن تقرير, وأوجز لفظ, وأبعده عن كل شبهة وشك, فأخبر أنه أرسل الى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون رسلا فكذّبوهم, فأهلكهم بأنواع الهلاك, وصدق فيهم وعيده الذي أوعدتهم به رسله ان لم يؤمنوا, وذا تقرير لنبوّة من أخبر بذلك عنهم, من غير أن يتعلّم من معلّم ولا قرأه في كتاب, بل أخبر به اخبارا مفصّلا مطابقا لما عند أهل الكتاب.
ولا يرد على هذا الا سؤال البهت والمكابرة على جحد الضروريات, بأنه لم يكن شئ من ذلك, أو أن حوادث الدهر ونكباته أصابتهم كما أصابت غيرهم, وصاحب هذا السؤال يعلممن نفسه أنه باهت مباهت جاحد لما شهد به العيان, وتناقلته القرون قرنا بعد قرن, فانكاره بمنزلة انكار وجود المشهورين من الملوك والعلماء والبلاد النائية.
ثم عاد سبحانه الى اقرار المعاد بقوله: { أفعيينا بالخلق الأوّل} ق15, يقال لكل من عجز عن شئ: عيي به فلان بهذا الأمر, قال الشاعر عيوا بأمرهم, كما عيت ببيضتها الحمامة
ومنه قوله تعالى:{ ولم يعيَ بخلقهن}الأحقاف33. قال ابن عبّاس : يريد أفعجزنا, وكذلك قال مقاتل.
قلت: هذا تفسير بلازم اللفظة, وحقيقتها أعم من ذلك, فان العرب تقول: أعياني أن أعرف كذا وعييت به اذا لم تهتد لوجهه ولم تقدر على معرفته وتحصيله فتقول: أعياني دواؤك اذا لم تهتد له, ولم تقف عليه. ولازم هذا المعنى العجز عنه. والبيت الذي استشهدوا به شاهد لهذا المعنى, فان الحمامة لم تعجز عن بيضتها, ولكن أعياها اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة, فهي تدور وتجول حتى ترمي بها, فاذا باضت أعياها أين تحفظها وتودعها حتى لا تنال, فهي تنقلها من مكان الى مكان وتحار أين تجعل مقرّها, كما هو حال من وعى بأمره فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه, وليس المراد بالاعياء في هذه الآية التعب, كما يظنّه من لم يعرف تفسير القرآن, بل هذا المعنى هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه في آخر السورة بقوله: {وما مسّنا من لغوب} ق38.
ثم أخبر سبحانه أنّهم:{ في لبس من خلق جديد} ق15. أي أنهم التبس عليهم اعادة الخلق خلقا جديدا, ثم نبههم على ما هو أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيّته وأدلة المعاد وهو خلق الانسان, فانه من أعظم الأدلة على التوحيد والمعاد.
وأي دليل أوضح من تركيب الصورة الآدميّة بأعضائها وقواها وصفاتها, وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والرباطات والمنافذ والآلات والعلوم والارادات والصناعات, كل ذلك من نطفة ماء.
فلو أنصف العبد لاكتفى بفكره في نفسه, واستدل بوجوده على جميع ما أخبرت به الرسل عن الله وأسمائه وصفاته.
ثم أخبر سبحانه عن احاطة علمه به, حتى علم ما توسوس به نفسه, ثم أخبر عن قربه اليه بالعلم والاحاطة وأن ذلك أدنى اليه من العرق الذي داخل بدنه, فهو أقرب اليه بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق.
وقال شيخنا وهو شيخ الاسلام بن تيمية: المراد بقول "نحن" ونحن أقرب اليه من حبل الوريد ,أي ملائكتنا, كما قال: {فاذا قرأناه فاتبع قرآنه}القيامة18. أي اذا قرأه عليك رسولنا جبريل. قال: ويدل عليه قوله: {اذ يتلقّى المتلقّيان} ق17. فقيد القرب المذكور بتلقّي الملكين, فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطّل.
ثم أخبر سبحانه أن على شماله ويمينه ملكين يكتبان أعماله وأقواله, ونبه باحصاء الأقوال وكتابتها على كتابة الأعمال, التي هي أقل وقوعا, وأعظم أثرا من الأقوال, وهي غايات الأقوال ونهايتها. | |
|