النظـام القضـائي فــي الإســلام
الأستاذ مخلص أحمد الجده (1)
رسالة التقريب / العدد 10
www. teghr .org
يعتبر النظام القضائي الإسلامي من أروع النظــم المكتوبة والمدونة في القضاء ، منذ أكثر من ألف عام ، ونحن إذ نقول : أكثر من ألف عام ، لا بمعنى أن نواته قد وضعت منذ هذه الفترة الزمنية البعيدة ، بل أن نواة ومباديء وتطبيقات القضاء الإسلامي قد ولدت بميلاد الرسالة الإسلاميّة ، منذ اكثر من ألف وأربعمائة سنة ، وذلك من خلال الآيات القرآنية المباركة ، والأحاديث النبوية الشريفة ، ويهمنا هنا أن نرسم الخطوط العريضة للنظام القضائي في الإسلام ونحدد الهيكلية العامة دون الدخول بالتفاصيل ، ليتضح لدينا أن مثل هذا النظام يعد صالحاً لكل زمان ومكان ، وكما أشار إليه قوله تعالى : ?وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً?(2)
إنّ النظام القضائي الإسلامي هذا ، لم يعالج قضايا المسلمين فحسب ، بل عالج كذلك قضايا أهل الذمة ، من أصحاب الديانات السماوية الأخرى ، والذين يحيون تحت كنف الإسلام ، إذ أجاز لهم أن يترافعوا في المحاكم الإسلاميّة ، والتي تحكم لهم وفق القوانين الإسلاميّة ، لا وفق قوانينهم ، إنّ أرادوا أن يترافعوا فيها ، ومن خصائص النظام القضائي في الإسلام ، أنّه يستطيع استيعاب أية قضية ويعالجها وفق أهدافه في تحقيق العدل والأنصاف.
ويحسن بنا قبل الدخول في الموضوع أن نعرف القضاء ونبين الفرق بينه وبين الفتوى . ثم نتطرق إلى خصائصه العامة وأبعاده المختلفة ومنه تعالى نستمد العون.
تعريف القضاء: قلنا أن عمر القضاء كنظام مدون ومكتوب في الإسلام يزيد على الألف عام ، ذلك أن الفقهاء المسلمين قد دونوا نظاماً دقيقاً أفرزوه في رسائلهم الفقهية ، تحت عنوان : (كتاب القضاء) أو (باب القضاء) أو كانوا يكتبون رسالة مستقلة فيه ، وقد نهج فقاؤنا المعاصرون النهج ذاته ، الذي انتهجه سلفهم ، بحيث عندما تطالع الرسائل الفقهية المكتوبة اليوم لا تجد فرقا واسعا بينها وبين سلفها المكتوب قبل اكثر من ألف عام ، اللهم إلاّ في المسائل المستحدثة والتي أعطوا آراءهم فيها ، فإذا طالعنا الرسائل الفقهية القديمة منها والمعاصرة نجد أن القضاء يعني : (فصل الخصومة بين المتخاصمين ، والحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم حق له على المدعى عليه) (3).
الفرق بين القضاء والفتوى:
هناك فروق مهمة بين القضاء والفتوى ويمكن إجمالها فيما يلي:
1 ـ (أن الفتوى عبارة عن بيان الأحكام الكلية من دون نظر إلى تطبيقها على مواردها).
2 ـ إنّ الفتوى لا تكون حجة إلاّ على من يجب عليه تقليد المفتي بها.
3 ـ العبرة في التطبيق ـ أي تطبيق الفتوى ـ إنّما هي بنظره دون نظر المفتي.
4 ـ أما القضاء : فهو الحكم بالقضايا الشخصية التي هي مورد الترافع ، والتشاجر ، فيحكم القاضي بأن المال الفلاني لزيد ، أو أن المرأة الفلانية زوجة فلان ، وما شاكل ذلك ، وهو نافذ على كلّ أحد حتّى إذا كان أحد المتخاصمين ، أو كلاهما مجتهداً) (4).
حكمـــه: ذهب فقهاؤنا إلى أن حكم القضاء يعتبر واجباً كفائياً بحيث إذا تولاه من هو أهل له سقط عن الآخرين ، وذلك بقولهم : (القضاء واجب كفائي) (5) وليس واجباً عينياً ، فالواجب العيني يكون متعيناً على كلّ المكلفين وإن الذي يتولى القضاء يسمى قاضياً ، وهو على نوعين:
1 ـ القاضي المنصوب : ويكون أمر تعيينه بيد المدعي ، أي أن المدعي يطلب تنصيبه كي يتولى القضاء في القضية التي نصب من أجلها.
2 ـ قاضي التحكيم : ويكون أمر تعيينه بيد المتخاصمين كليهما ، وفي حالة اختلافها، فالمرجع في تعيينه يكون بالقرعة.
القضاء مسؤولية عظيمة : لقد أولى الإسلام القضاء المسؤولية الكبرى أمام الله ، والمجتمع ، فقد روي (عن ابن عباس "رض" عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنّه قال : من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين ! فقيــل : يا رسول الله ، وما الذبح ؟ قال : نار جهنم) (6)
فنحن نرى تحذيراً شديداً في هذا الحديث الشريـــف لمن يتولى منصب القضاء، فيجب أن يعلم في نفسه الكفاءة العلمية ، والقدرة على الحكم ، واحقاق الحق، و إلاّ ، فالنار موعده.