]أحبتي في الله: إن الصحابة الأبرار كما تعلمون هم حملة الإسلام وحفظته بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، اختارهم الله واصطفاهم لصحبة نبيه، ونشر رسالته من بعده، عدَّلهم وزكَّاهم، ووصفهم بأوصاف الكمال في غير ما آية من كتابه، رضي الله عنهم ورضوا عنه، نوعٌ فريد من الرجال،عدول ثقات صالحون، حازوا قَصبَ السبق في كل شيء، لم تعرف البشرية لهم نظيرًا، قمة في التقوى والورع، آية في التجرد والإخلاص، مِشْعَل في العلم والعمل، نِبْرَاس في الدعوة إلى الله.
تالله لقد وردوا الماء عذبًا زلالا وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحدٍ مقالا
فتحوا القلوب بالقرآن، وفتحوا القرى والمدائن به وبالسنان، هم أنصار الدين في مبتدأ نشأته، بذلوا المُهج يوم بخل أهل الدراهم بدراهمهم، رجال المغارم يوم يندس المغمورون في ثيابهم، هم لله -عز وجل- قلوبًا وأبدانًا ودماءً وأموالا، لم يجعلوا همَّهم حشو البطون، ولا لبس الحرير، ولا الإغراق في النعم، حفظوا الشرع من أهواء الزائغين، وحموا الملة من زحف المناوئين، شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، حملوا الوحْيَين، وحضروا البيعتين، وصلَّوا -أو أغلبهم صلَّوا- إلى القبلتين. كلهم له همٌّ، وهمهم رفعة لا إله الله، كلهم له قصد، وقصدهم الجليل في علاه، خرجوا من أموالهم لله ولرسوله، فما شفا ذلك لهم غليلا، فأبوا إلا أن يقدموا الجماجم، ويسيلوا الدماء، ويستعذبوا العذاب في ذات ربهم، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأكرم في جنات الخلد مثواهم.
بيضُ الوجوه ترى بطون أَكُفِّهِم تندى إذا اعتذر الزمانُ الممحلُ
من كان متأسيًا فليتأس بهم؛ فهم أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا، وأقومها هَدْيًا، وأحسنها حالا.
همُ الرجال بأمناء الجهاد نَمَوْ وتحت سقفِ المعالي والنَّدى وُلِدُوا
جباهُهم ما انحنت إلا لخالقها وغير ملةِ أبدع الأكوان ما عبدوا
الخاطبون من الغايات أكرمها والسابقون وغير الله ما قَصَدُوا
ومن هنا: فإن الكلام عن هؤلاء العظماء، وكشف الستار عن الصفحات الناصعة التي سطروها، واجب محتم علينا في هذا العصر الذي نعيش فيه معمعة الأفكار، واضطراب الموازين، وموالاة الكفار، والوقوع في الصحابة الأبرار. واجب؟ نعم لردع أهل الهوى من الزنادقة والملاحدة، وأهل الكفر والابتداع الذين انتقصوا وسبُّوا خير جيل وطائفة وُجِدَت على وجه الأرض، لا لشيءٍ إلا لأنهم حَمَلة الإسلام، ورواة الأحاديث التي تهدم بِدَعهم، وتُظهر ضلالهم، وتُبْرز خُبْث طوَّيتهم، قاتلهم الله، وقاتل كل من حادَ عن كتاب الله وسُنَّة مصطفاه، واتَّبع غير سبيل المؤمنين. *** /// من درس " صور و عبر " للشيخ علي القرني ///