ان لفظة ماشاء الله وشئت من الالفاظ التي جاء النهي عنها صريح كما هو في رواية الطفيل اخو عائشة رضي الله عنهما (( وأن قول القائل: ما شاء الله وشئت شرك في اللفظ، وتشريك في المشيئة، وهذا من الشرك الأصغر، الباب واضح من حيث ما اشتمل عليه، لكن فيه فائدة، أو فيه فوائد منها:
أن قوله: في حديث قتيلة , أن يهوديا أتى النبي فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقولوا: ما شاء الله، ثم شئت - رواه النسائي وصححه، فيه من الفوائد ما قاله الشيخ -رحمه الله- في مسائل الباب، قال فيه: فهم الإنسان إذا كان له هوى. فهؤلاء اليهود هم أهل الشرك يقولون: عزير ابن الله، ويشركون بالله -جل وعلا- لكنهم مع كونهم مشركين، نقموا على أهل الإسلام أنهم يشركون، وهذا لأجل الطعن فيهم، فالهوى وطلب تنقص أهل الإسلام والنقد عليهم، وقول القول لهم بما.. أو مخاطبتهم بما يسوءهم هذا كان قصدا لهم؛ ولهذا فهموا من أين يدخلون.
فأهل الإسلام، أهل التوحيد فقالوا لهم: إنكم تشركون، وهم أهل الشرك، لكن فيه أن صاحب الهوى قد يفهم الصواب، فإذا فهم الصواب، فإن الواجب أن يقبل منه؛ لأن المؤمن يجب عليه أن يقبل الحق ممن جاء به، ولو كان يهوديا، أو نصرانيا.
فهذا اليهودي، أو النصراني، أو النصارى كما سيأتي هؤلاء توجهوا إلى المؤمنين بالقدح فيهم بالشرك، ولم يمنع النبي من قبول الحق الذي قالوه، أنهم يهود، بل قبل ما جاء به ذلك اليهودي، فأوصاهم بأن يتركوا ذلك التنديد، وهذا فيه أن الحق هو ضالة المؤمن، أين وجده أخذه، فلا يمنعه من قبول الحق أن قاله مشرك، أو قاله كافر، أو قاله فاسق، أو قاله مبتدع، أو قاله ضال، إذا كان الكلام في نفسه حقا؛ لأنه كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: , الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها - .
قال: وله -أيضا- والحديث الذي بعده واضح، ثم قال، ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها، قال: , رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد.. - هذا في أن صاحب الهوى، أو صاحب الملة الباطلة، قد يرد على صاحب الحق بأن عنده باطلا، كما أن عند ذاك باطلا، فإذا واجهه بذلك، فالواجب عليه أن يتجرد للحق، وألا يرد الحق لأجل أن من أتى به صاحب باطل.
فالقاعدة عند أهل السنة والإيمان: أن البدعة لا ترد ببدعة، والباطل لا يرد بباطل.
وكثير مما حصل معه النقص في تاريخ الإسلام، وحصلت الشبهات، وقويت بعض الضلالات من جهة أن من ووجه بحق، وكان الذي واجهه بذلك صاحب باطل، أنه رد عليه الحق، فصار معنى ذلك أنه لا يقبل الحق، ثم صار يوجه الأدلة في إبطال ذلك الحق، وهذا كما فعله طائفة من أهل البدع.
والواجب -أيضا- ألا ترد البدعة ببدعة، وألا ترد البدعة إلا بحق، وإذا جهل المرء كيف يرد البدعة بحق، فيصبر حتى يتعلم، أو يسأل أهل العلم، وليس من الواجب عليك أن ترد مباشرة، بل إذا ووجهت بحق، ولو كان من أضل الضلال فاقبل، فإبليس الشيطان قبل منه بعض الحق الذي جاء به، وأرشد إليه أبا هريرة، وهؤلاء اليهود والنصارى في هذين الحديثين قبل منهما، يعني: من تلك الطائفتين حقا أرشدونا إليه في أعظم المسائل، وأجل المطالب، وهو توحيد الله، جل جلاله.
هذه المسائل ليست من الشرك الأكبر، بل من الأصغر دل عليه قوله في آخره: , قلتم كلمة كان يمنعني، كذا وكذا أن أنهاكم عنها - .
والشرك في الألفاظ ، أتى بالتدريج بخلاف يعني: نفي.. الشرك في الألفاظ وتحريم الشرك في الألفاظ أتى بالتدريج في تاريخ بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- وتبليغ أمته وتبليغه أمته بالأوامر والنواهي، أما الشرك الأكبر، فقد نفاه من أول الرسالة، أما شرك الألفاظ وبعض أنواع الشرك الأصغر، فأتى بالتدريج .
فكان الحلف بالآباء جائزا، ثم نهاهم -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك، وكذلك قول: ما شاء الله وشئت، ثم نهاهم عن ذلك؛ ولهذا قال المصنف في مسائل كتاب التوحيد: أن الشرك فيه أكبر، وأصغر؛ لقوله: "كان يمنعني كذا وكذا" وأما الشرك الأكبر: فلا يجوز أن يؤخر إنكاره، أو أن يمنع عنه مانع، أما شرك الألفاظ، فقد تكون المصلحة والفقه -فقه الدعوة وفقه ترتيب الأهم والمهم وتقديم الأهم على المهم- أن يؤخر بعضه؛ لتتم المصلحة العظمى، أما الشرك الأكبر فلا مصلحة تبقى مع وجوده)).
واخيرا ارجو من الله العلي القدير ان ينفعنا بهذا . اخوكم ابو انس ربوح ميلود