اعلم أنه كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا. قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ اللّه؟! قالَ: حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ للّه تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ"
و في صحيح مسلم عن معاوية رضي اللّه عنه أنه قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجْلَسَكُم؟ قالوا: جلسنا نذكُر اللّه تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آللّه ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ؟ قالوا: واللَّهِ، ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللّه تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ".
و في صحيح مسلم كذلك ومعنى "غشيتهم الرحمة": أي غطّتهم من كل جهة: و"السكينة" هي المذكورة في قوله تعالى: {هو الذي أنزَلَ السكينةَ في قلوب المؤمنينَ ليزدَادُوا إيماناً}الفتح:
أيضاً، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي اللّه عنهما: أنهما شهدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:
"لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُون اللّه تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وَغَشِيَتهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرََهُمُ اللَّهُ تَعالى فِيمَنْ عِنْدَهُ".
و اعلم اخي و اختي أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ للّه تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ للّه تعالى، كذا قاله سعيدُ بن جُبير رضي اللّه عنه وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه اللّه: مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا.